Image credit: Jonathan Hyams/Save the Children
بعيداً عن الانقسام الثنائي بين المدارس العامة والخاصة، تتوفر أنواعٌ مختلفة من المدارس غير التابعة للدولة. بالإضافة إلى ذلك، إن الدور المنوط بالجهات الفاعلة غير الحكومية يتجاوز إتاحة التعليم المدرسي ليشمل تدخُّلاتٍ أخرى على مختلف مستويات التعليم ومن خلال قنوات تأثير متعددة. ولعل السؤال الموجَّه لواضعي السياسات لا يقتصر على ما إذا كانت مشاركة الجهات الفاعلة غير الحكومية في التعليم تلبي معايير الجودة المتفق عليها، وإنما كيف يمكن لتلك الجهات أيضاً أن تساعد أو تعرقل الجهود الرامية إلى ضمان الإنصاف والشمول في التعليم.
ونلحظ أن هناك اتّجاهَيْن اثنَين متعلِّقَين بالتمويل والإتاحة، بما يتصل بمهمة الحكومة القائمة على حماية الحق بالتعليم وإعماله. فأوَّلاً، تعهَّدت الحكومات عام 2015 بإتاحة التعليم لكل الأطفال والشباب مجاناً وبتمويلٍ من القطاع العام، لسنةٍ واحدة من مرحلة التعليم ما قبل الابتدائي و12 سنة من التعليم الابتدائي والثانوي. ومع ذلك، بوجود بلدٍ واحدٍ من بين ثلاثة بلدان يخصص للتعليم أقل من 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي و15 في المائة من إجمالي الإنفاق العام، تخفق بُلدان كثيرة في الوفاء بهذا التعهُّد إذ لا تؤمّن التمويل اللازم للقطاع. ثانياً، يتعين على الحكومات أن تقرر حجم الدور الذي ستلعبه في تقديم خدمات التعليم وإدارتها. كما أن تصوُّرات الحكومة غالباً ما تكون مختلفة في ما يخص اختيار المدرسة والجهات الفاعلة غير التابعة للدولة.
فقد أصبحت عدّة جهات فاعلة غير تابعة للدولة أكثر حضوراً في جوانب كثيرة من قطاع التعليم. تتخذ الأعمال التجارية خياراتها بناءً على ما إذا كان التعليم يشكل نشاطاً مربحاً وعلى طريقة تسويق السلع والخدمات التعليمية، كما أنها تنظر إلى مَن تقف مسؤولةً أمامه: أهُم أصحاب المصلحة وحدهم أم غيرهم كذلك؟ فالمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تختار أولوياتها وتقرر طريقة مقاربتها: هل يتعين عليها أن تسدّ الفجوات بنفسها أو أن تضغط على الدولة لتقوم بذلك؟ والمؤسسات أيضاً تضع أولوياتها وتختار الطريقة التي ستؤثر بها على المجتمع وبأي درجةٍ ستعمل مع نُظُم التعليم. كما أن الخيارات التي يجريها المعلمون والمؤسسات التي ينتمون إليها من شأنها أن تعزز أو تهدم الثقة بنُظُم التعليم العام.
النداء الجماعي الذي يطلقه التقرير – من الذي يختار؟ من الذي يخسر؟ – هي دعوة موجهة لواضعي السياسات للبحث في العلاقات التي تربطهم بالجهات الفاعلة غير التابعة للدولة في ما يخص بعض الخيارات الجوهرية: بين حرية الاختيار والمساواة في القدرة على الاختيار؛ بين المبادرة المُشجِّعة (على سبيل المثال، تحسين النوعية في أي مكانٍ من النظام) ووضع المعايير (على سبيل المثال، تحسين جودة التعلُّم لجميع المتعلِّمين)؛ بين الفئات السكانية ذات الإمكانات والحاجات المختلفة؛ بين التزاماتهم الفورية (على سبيل المثال، 12 سنة من التعليم المتاح مجاناً بموجب الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة) والالتزامات المُراد تحقيقها تدريجياً (على سبيل المثال، التعليم اللاحق للمرحلة الثانوية)؛ وبين قطاع التعليم وقطاعات اجتماعية أخرى.
وبالنظر إلى هذه الأفكار، وُضع إطارٌ لهذه التوصيات بُغية دعم حملة RighttheRules# لضمان حماية المساواة في التعليم من خلال التمويل، والجودة، والحوكمة، والابتكار، ووضع السياسات. ويكمن الهدف في تسخير المساهمات التي يمكن أن تقدمها جهات فاعلة غير تابعة للدولة لتقديم خدمات تعليم ذات جودة دون التضحية بمبدأ المساواة. وحشد هذه الإمكانات يشكّل تحدياً بالنسبة إلى الحكومات التي تسعى إلى معالجة النوعية المتدنية وعدم المساواة في مؤسسات التعليم العام. وهذه التوصيات تستهدف بصورةٍ أساسية الحكومات التي يتعيَّن عليها تقديم إجابات واضحة عن خمسة أسئلة أساسية من منظور الإنصاف والشمول. كما أنها وُضِعَت لتُستخدَم أداةَ ضغطٍ من جانب كل الجهات الفاعلة المنخرطة في قطاع التعليم والمتعهِّدة بدعم التقدُّم نحو الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة. وبالتالي، تناشد هذه التوصيات كل الجهات الفاعلة، الحكومية وغير الحكومية على حدٍّ سواء، العمل وفق المبادئ RightbytheRules#.
يتعيَّن على الحكومات أن توفر التعليم الجيد مجاناً في نقاط الخدمة. كما يتعيَّن عليها ضمان أن الأُسر المعيشية لا تتكبَّد أي تكاليف مقابل الحصول على سلع وخدمات تعليمية في البلدان التي تعهَّدت بتوفير التعليم دون أي رسوم.
يتعيَّن على الحكومات أن ترصد الإنفاق على التعليم من الأموال الخاصة، باستخدام الدراسات الاستقصائية المتعلقة بدخل الأسر المعيشية ونفقاتها وهي غالباً ما تغضّ النظر عن التكاليف غير الموثَّقة بشكلٍ جيد التي تزيد من عدم المساواة.
ينبغي على جميع مقدِّمي الخدمات التابعين للدولة وغير التابعين لها توفير ظروف التعلُّم نفسها لجميع الطلاب. فالتعهُّد بتمويل التعليم من القطاع العام لا يعني بالضرورة أن جميع خدمات التعليم سيتم توفيرها حصراً من القطاع العام. بل ينبغي معاملة المؤسسات التعليمية على أنها جزءٌ من نظامٍ واحدٍ تضبطه قواعد مشتركة، ومساعدات مالية، وآليات إشراف.
أي محاولة رامية إلى تنويع الخدمات المُقدَّمة ينبغي أن تُصمَّم بشكلٍ منصفٍ يضمن المساواة بين الطلاب. فالتعاقد مع جهاتٍ خارجية لإدارة المدارس العامة، وتوفير الدعم المالي لتغطية التكاليف التشغيلية في المدارس الخاصة، أو مساعدة الأُسر المعيشية على دفع الرسوم المدرسية في المدارس التي يختارونها قد يصب في نهاية المطاف في مصلحة الطلاب الميسورين.
ينبغي للمدارس ألاّ تختار طلابها. تتعهَّد البلدان بعدم التفرقة بين الطلاب في المؤسسات التعليمية، وهذا المبدأ يجب أن ينعكس في سياسات قبول التلاميذ في المدارس. فضلاً عن ذلك، فإن حق الأُسر والتلاميذ باختيار المدرسة المناسبة لهم يجب ألا يؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة.
ينبغي للمؤسسات الخاصة المموَّلة من الدولة عدم فرض أي رسوم مدرسية على الطلاب. فيما ينبغي لجميع البلدان أن تسعى إلى ضمان توفير التعليم مجاناً في مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي وفي المرحلتَين الابتدائية والثانوية، لا زال هناك عدد كبير منها بعيداً عن هذا المنال. فحتى المؤسسات الخاصة التي تعتمد على تمويلٍ من الحكومة لا زالت تفرض رسوماً مدرسية.
جني الأرباح يتناقض مع التعهُّد بضمان توفير التعليم مجاناً في مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي وفي المرحلتَين الابتدائية والثانوية. يمكن اللجوء إلى تنظيم جني الأرباح أو منع المؤسسات من تحقيق الربح بهدف معالجة السياسات المرتبطة بالحق في اختيار المدرسة الذي يفاقم أوجه عدم المساواة.
يتعيَّن على الحكومات أن تضع معايير الجودة التي تنطبق على كل المؤسسات التعليمية. معايير الجودة التي لا تقتصر تغطيتها على المدخلات ولكنها تشمل أيضاً النتائج، من شأنها أن تحمي المعرَّضين للخسارة الأكبر. كما ينبغي أن تشمل معايير الجودة هذه السلامة والشمولية. وترتبط هذه المعايير بالوضع الحالي للمدارس كما تساعدها على التقدُّم. ينبغي أن يُقيَّم كل معيار على حدة لكل مدرسة، سواء كانت مؤسسة تابعة للدولة أو غير حكومية، ويجب الإبلاغ عن هذه التقييمات للعموم.
يجب تقدير المعلّمين بوصفهم مهنيين في جميع المدارس. يجب أن تكون مؤهلات المعلِّم وفرص التطوير المهني هي نفسها لدى جميع مقدِّمي الخدمات. كما أن تجزئة أسواق العمل الخاصة بالمعلِّمين، وعدم المساواة الكبير على مستوى أجور المعلِّمين وظروف عملهم، تعتبر إشاراتٍ هامة تدل على سوء أداء النظام التعليمي. ويتعيَّن على الحكومات أن تعالج الأسباب الجذرية وراء أوجه اختلال التوازن هذه.
يجب تطبيق آليات ضمان الجودة لرصد المعايير وإنفاذها. ينبغي أن تمارس الحكومة الإشراف بشكلٍ شامل من خلال تفتيش المدارس والتقييمات العامة وتقييمات التعلُّم، أياً كان نوع المؤسسة التعليمية. وعند وضع هذه الآليات، ينبغي الأخذ في الحسبان قدرة الدولة على التنفيذ.
يتعيَّن على البلدان أن تعزز عمليات ضمان الجودة في التعليم التقني، والمهني، والجامعي. عندما تقدِّم الحكومات دعماً مالياً للأفراد أو عندما تتعاقد مع شركاتٍ خاصة لأغراضٍ تدريبية، يتعيَّن عليها أن تحمي الفئات الأكثر حرماناً والأكثر عُرضةً للاحتيال. فقد خضعت الجامعات الربحية للتدقيق بسبب تقديم خدمات تعليمية بأدنى نوعية ممكنة والمشاركة في ممارسات مهنية سيئة.
يتعيَّن على الحكومات الحرص على ألا تؤدي الدروس التكميلية في المؤسسات الخاصة إلى أثرٍ سلبي على الجودة والإنصاف في النظام. تختلف الاستجابات السياساتية من شروط رخصة مزاولة التدريس الخصوصي إلى تسجيل الطلاب عبر الإنترنت لتحسين الإشراف. وقد يكون منع الرسوم التكميلية خياراً متاحاً أمام الحكومة، غير أنه قد يؤدي إلى نشوء أسواق عمل غير رسمية. لذا، تكمن الأولوية في معالجة الأسباب الجذرية، مثل أجور المعلِّمين المتدنية والامتحانات النهائية المرتفعة المخاطر.
تحتاج الحكومات إلى رؤية واضحة وإلى إطار عمل بشأن الطريقة التي تريد من خلالها إشراك جهات غير تابعة للدولة، كما يتعيَّن على الحكومات إبلاغ هذه الرؤية من خلال لوائح تنظيمية. ينبغي ألا تركز اللوائح التنظيمية على التفاصيل الإدارية وعلى معايير غير واقعية للمدخلات، ولكن على العمليات والنتائج التعليمية، وينبغي استعراضها وتعديلها بطريقةٍ شفافة وقائمة على المشاركة، مع استقبال مدخلات من مدارس تابعة للدولة ومن مدارس غير حكومية.
يتعيَّن دائماً على الهيئة المعنية بالتعليم أن تنظم عمل مقدِّمي خدمات التعليم بصفتها كيانات تعليمية، ويجب ألاّ تخضع إطلاقاً لرقابة الهيئات المنظمة للسوق باعتبارها مجرد كيانات تجارية. يُنظَّم عمل بعض مقدِّمي الخدمات على أنها مؤسسات تجارية تقدم خدمات الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، والتدريس التكميلي الخصوصي، والتدريب المهني. وعلى نحوٍ مشابهٍ، يخضع مقدِّمو خدمات آخرون للرقابة من جانب وزارات الحماية الاجتماعية أو السلطات الدينية.
يجب أن تكون اللوائح التنظيمية بسيطة تتسم بالشفافية والكفاءة. تكمن المفارقة في أن القدرة الناظمة هي الأدنى في المواقع الأكثر ضعفاً، حيث يبدو احتمال الفساد كبيراً جداً. وحيثما يظهر النقص في القدرة على رصد القوانين غير العملية وإنفاذها، تصبح اللوائح التنظيمية غير ذي صلة وتأتي بنتائج عكسية.
ينبغي أن تتسم الحكومات بالصدق عند النظر في أسباب الظاهرة التي تنوي تنظيمها. ينبغي أن تكون عمليات الرصد والدعم مشتركة وأن تظهر اهتمام الحكومة بتعليم جميع الأطفال، أياً كان نوع المدرسة التي يلتحقون بها. كما يتعيَّن على الحكومة أن تبني علاقة ثقة مع مؤسسات التعليم غير التابعة للدولة، وإبلاغها بالحوافز المناسبة لها بُغية إدارة مدارسها بصورةٍ فعالة.
يتعيَّن على واضعي السياسات أن يتمكنوا من تحديد الابتكار وتقديم أفكار جيدة ومساحة لتطويره. لا أحد يحتكر وحده الأفكار الجيدة. ويشكّل التعليم سعياً اجتماعياً ونظاماً معقَّداً. وبالنسبة إلى واضعي السياسات، يكمن التحدي في التشجيع على الابتكار، خاصة عندما يكون الجمهور العام ميالاً لتفضيل المطابقة على التجريب.
يتعيَّن على الحكومة أن تعمل بالشراكة مع جميع الجهات الفاعلة لبناء نظامٍ تعليمي مناسبٍ للجميع، مع تحديد أولوية النهج التشاوري. ويجب بناء ثقافة قائمة على الثقة لتشجيع الابتكار. كما أن خلق ظروف ملائمة وتوفير منصات تمكّن الجهات الفاعلة المتعددة من التفاعل والتعاون سيساعد نظام التعليم العام على الاستفادة من آراء ومصادر مختلفة ذات خبرة لكي تحافظ على أهميتها.
كبداية، يتعيَّن على الحكومات أن تغذي الابتكار في نظام التعليم العام. يجب أن تنقل رسالة مفادها أنها حريصة على تقديم الامتياز. وعليها أن ترصد قطاع التعليم ومحدِّداته، وتقيِّم المجالات التي تجري فيها الممارسات الجيدة، وتؤمِّن الموارد التي تمكِّن الممارسين من تبادل الخبرات، وتجرِّب الأفكار الجيدة وتطوِّرها.
يتعيَّن على الحكومات أيضاً أن تبحث عن الدروس التي قد تفيدها من تجارب الجهات غير الحكومية. إن اعتماد نُهُج مرنة قائمة بذاتها ومرتبطة بسياقها للتدريس وتعلُّم التلاميذ المُهمَّشين قد يولّد أفكاراً جديدة، ما يستدعي انتباه الحكومة للاستفادة من هذه الأفكار مع إدراك أن انخفاض القدرات يمنع الحكومات عادةً من من رصد المدارس الحكومية وتقييمها بصورةٍ صحيحة، فضلاً عن المدارس غير الحكومية.
يكمن دور الحكومة أيضاً في إنشاء بيئة مناسبة لإنتاج الابتكارات. يجب ألا يُنظَر للتعليم على أنه سوق يتجاوز فيه “منتجو” التعليم مقدّمين آخرين. بل يجب أن تتم مشاركة الأفكار الجديدة واختبارها، وإذا ثبتت صحتها يتم تبنيها، إذ تساعد الدولة على نشرها من خلال نظام التعليم وتتطوّع الجهات غير الحكومية لتقديمها من أجل الصالح العام عوضاً عن دوافع اقتصادية.
يتعيَّن على واضعي السياسات أن يأخذوا في الحسبان الأفكار والآراء التي يعرب عنها جميع أصحاب المصلحة. ولكن مثلما يمكن لواضعي السياسات أن ينفتحوا على آراءٍ متعددة، من الضروري أيضاً أن يجري التواصل بشفافية مع الموظفين العموميين بشأن القوانين والسياسات واللوائح. وقد تعمل بعض الجهات من أجل زيادة حصّتها في السوق أو نفوذها السياسي بدلاً من العمل من أجل الصالح العام.
لذا، يتعيَّن على الحكومات أن تقوم بالرصد والحماية اللازمة ضد الضغط الممارَس من جانب المصالح الخاصة للحؤول دون تأثيرها على السياسة العامة على نحوٍ غير ملائم. وبهدف المحافظة على الثقة في عمليات وضع السياسات العامة، يمكن تطبيق مجموعة من الإجراءات الداعمة للشفافية، قدر المستطاع، بما في ذلك قوانين حرية الإعلام التي تشجع الكشف عن الهبات للأحزاب السياسية والاجتماعات التي تجري مع كبار الموظفين الحكوميين، وتمنع الموظفين الحكوميين الذين يتركون مناصبهم من تولي مهام تخوّلهم تحقيق منافع خاصة، وتمنع أيضاً تولي جماعات الضغط والجهات الراعية لهم مناصب في القطاع العام. وتنطبق هذه التوصيات أيضاً على المنظمات الدولية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وتحتاج جميعها إلى سياسة واضحة للعمل مع جهات غير حكومية تعطي الأولوية للإنصاف والشمول.